![]() |
شركات صناعة الدراجات من الخشب تحقق رواجاً متزايداً |
شركات صناعة الدراجات من الخشب تحقق رواجاً متزايداً
كان النموذج الأول للآلة التي سبقت الدراجة الهوائية، والتي كانت تعرف بالألمانية باسم لوفاماشين، له مظهر يشبه قليلا الدراجة الهوائية التي نعرفها اليوم.
وقد اخترعت تلك الآلة في ألمانيا عام 1817، ولم تكن تحركها سلسلة معدنية كدراجات اليوم، وإنما كانت تسير عن طريق دفع الراكب الأرض بقدميه.
لكن الذي جعل تلك الآلات تختلف تماماً عن دراجات اليوم هو أن هيكلها كان يصنع بالكامل من الخشب.
لكن بالانتقال سريعاً إلى عام 2017، سنجد أن عدداً من شركات صناعة الدراجات أدارت عقارب الساعة إلى الوراء، لتستخدم الخشب مرة أخرى كمادة أساسية في تلك الصناعة.
وتصنّع هذه الشركات دراجاتها جزئياً، وأحياناً كلياً، من الأخشاب، مثل خشب أشجار المُران، والبلوط، والجوز.
وتقول هذه الشركات إن ما يدفعها في هذا الاتجاه هو حب هذه الصناعة، وتصميماتها، والرغبة في استعمال مواد طبيعية.
وقد اجتذبت تلك الشركات إليها قاعدة صغيرة، لكنها نامية، من الزبائن المتحمسين والراغبين في دفع مبالغ كبيرة لقاء مثل هذه الابتكارات التي تصُنع بشغف.
يقول كريس كونور، مؤسس شركة "دراجات كونور الخشبية": "يود الناس امتلاك شيء مميز، ومختلف. كما إنهم يثمّنون أيضاً المصنوعات اليدوية، ففي أيامنا هذه، لا تُصنع الكثير من الأجهزة والأدوات يدوياً".
وتأسست الشركة في عام 2012 بعد أن قرر كونور، الأمريكي البالغ من العمر 48 عاماً، الجمع بين ولعه بحرفة النجارة وولعه بركوب الدراجات.
ويصنع كونور لجميع دراجاته هياكل خشبية؛ أما الأجزاء الأخرى، مثل ناقل السرعة، والعجلات، فهي تصنع من مواد مثل الفولاذ، أو الكربون، أو المطاط.

وتتراوح أسعار تلك الدراجات ما بين 3,500 دولار أمريكي، و 11 ألف دولار أمريكي.
لكن الأسعار كانت تتزايد ببطء، وبشكل تدريجي، وذلك لم يكن أمرا سهلا بالنسبة لكورون وشركته، كما يقول. ويعود ذلك إلى مفهوم متداول بين بعض مستخدمي الدراجات بأن الأنواع الخشبية منها قد تنكسر بسهولة، و ربما لا تكون آمنة.
يقول كونور إن الخشب في الحقيقة متين جداً، وهذا هو السبب في استعماله في مقابض الأجهزة والأدوات المختلفة، والمزلاج، والقوارب، وحتى في الطائرات الخفيفة.
كما إن الخشب يمتص الاهتزازات بشكل جيد، مما يجعل ركوب الدراجات على الطرق الوعرة أكثر سلاسة، وأقل إنهاكاً.
ويضيف كونور: "بالطبع، تبدو هذه الدراجات رائعة"، وهو يصنع هياكل دراجاته من خشب المُران الأمريكي الذي يتمتع بالقوة والمرونة معا، أو من خشب الجوز الأسود الذي يبهر النظر.
ويستعرض كتاب نُشر مؤخراً بعنوان "الدراجة الخشبية: حول العالم"، شركات يصل عددها إلى 111 شركة، تصنع دراجاتها من الخشب أو الخيزران.
وتبيع شركة واحدة منها فقط، وهي شركة "سبلنتربايك" في المملكة المتحدة، نماذج من الدراجات المصنوعة من الأخشاب بنسبة 100 في المئة، بما في ذلك جهاز ناقل السرعة، والسلسلة، والعجلات.
ومع ذلك، فإن أغلب الشركات تحدّ من استخدام الخشب في هيكل الدراجة فقط وأحياناً في بعض الأجزاء مثل المقودين، وحاملي العجلتين. وتصنع الأجزاء الأخرى من مواد عادة ما ترتبط بصناعة الدراجات، مثل الألمنيوم.
وما يعزز جاذبية هذه الدراجات، حسب قول غريغور كوزاك، هو التصميم الفريد للدراجات الخشبية، وتصنيعها اليدوي حسب الطلب.
وقد أسس كوزاك في بلده سلوفينيا شركة "وودستر للدراجات"، بعد لقائه بالنجار إيزتوك موهوريتش، الذي صمم مؤخراً دراجة ذات هيكل خشبي.

ويقول كوزاك: "لم أكن مهتماً في باديء الأمر، لكن بعد رؤية الدراجة الخشبية وركوبها، اقتنعت بها على التوّ. كان الناس يتطلّعون إليّ وكأنني أركب سيارة رياضية غريبة".
ومثل غيرها من الشركات العاملة في هذا المجال، تستهدف شركة "وودستر" الزبائن الذين يثمنون المواد الأنيقة أو الطبيعية في الحياة. فهياكل دراجاتها مصنوعة من أخشاب مثل الزان أو البلوط، وتتراوح أسعارها ما بين 2,500 يورو، و 17 ألف يورو.
إضافة إلى ذلك، يحصل كل زبون على كتيب يروي قصة صنع دراجته الخاصة به. ويضيف كوزاك قائلاً: "نحن نزرع شجرة جديدة في نفس المكان الذي نقطع فيه الشجرة التي صنعنا منها دراجتك الهوائية."
ويتفق بيت براندجيز، البالغ 63 عاماً والذي شارك في تأسيس الشركة الهولندية "باو للدراجات"، مع الرأي القائل إن الدراجات الهوائية الخشبية "تجذب الانتباه".
لذلك السبب، فإن شركات ومؤسسات في هولندا، مثل نوفوتيل، ورابوبانك، اشترت دراجات شركة باو لموظفيها وعملائها.
كما تُستعمل هذه الدراجات أيضاً في نظام لمشاركة الدراجات يُعمل به في مجمّع للشركات العاملة بمطار سخيبول في أمستردام، لكي يستعملها العاملون في تنقلاتهم.
ويقول براندجيز إن لجميع نماذج دراجاته هياكل ومقاود وحاملات إطارات أمامية من خشب البلوط الفرنسي. ومع ذلك، ليس على الزبائن أن يقلقوا بخصوص تعرض تلك الدراجات للبلل بمياه الأمطار.
ويقول: "ظلت الدراجات العامة المستخدمة في نظام المشاركة (في مطار سخيبول أمستردام) في العراء لمدة ثلاث سنوات، ولا تزال تبدو بحالة جيدة. ما دام الخشب المبلل يجف مرة أخرى، فلا بأس. كل ما عليك هو أن تدهنه مرة واحدة في السنة".
وتحدث كل من تكلمت معه حول هذه الدراجات عن شعوره بخيبة الأمل بسبب ما يدّعيه البعض بأن الدراجات الخشبية هي أقل سلامة وقوة من غيرها من الدراجات.
وقد أخبرني كونور أنه باستعمال الأخشاب وتقنيات التركيب الملائمة، فإن دراجاته متينة تماماً.

ويضيف: "إن خشباً قوياً ضُبطت نسبة رطوبته، ونُضّد في طبقات بحيث تتداخل اتجاهات أسطحها المحبّبة وتُلصق ببعضها البعض باستخدام مواد لاصقة قوية تستعمل في صناعة الطائرات، سيصبح خشبا متينا بشكل لا يصدق".
ويتابع: "أضف إلى ذلك طبقات من ألياف الكربون التي تتخللها ألياف الكيفلار، كما هو الحال في دراجتي، وستجد أن المتانة ستفوق كثيراً متطلبات صناعة هياكل ذات فعالية، وخفة وزن معقولة".
كما يشير براندجيز إلى أن جميع دراجاته قد فُحصت من قبل مؤسسة "تي يو في راينلاند"، وهي مؤسسة ألمانية معتبرة تصدر شهادات جودة للمصنوعات ذات الكفاءة العالية.
لكن لا تزال هناك عقبات أخرى قد تعيق الشركات العاملة في هذا المجال.
ومنها، أن الدراجات الخشبية تميل لأن تكون أثقل من كثير من غيرها الدراجات التقليدية. فالنماذج المختلفة التي تنتجها الشركات الثلاث التي تحدثت مع أصحابها كانت تزن ما بين 9.9 كيلوغرام، و 25 كيلوغرام.
ويقول كونور: "ليس باستطاعتك أن تصنعها لتكون أخف من تلك المصنوعة من ألياف الكربون، لكني لا أظن أن رطلاً أو رطلين أكثر أو أقل سيكون أمرا ذا شأن".
هل أسعارها مرتفعة؟
الأمر الآخر هو أن الدراجات المصنوعة من الخشب تميل لأن تكلف الكثير، وربما هذا هو السبب الذي يحول دون زيادة حجم مبيعاتها.
ولعل شركة "رينوفو" الأمريكية، والتي تبدأ أسعار دراجاتها من 3,995 دولار أمريكي، هي المُنتج الأول للدراجات المصنوعة من الأخشاب في العالم. ومع ذلك، فقد قالت الشركة لبي بي سي إنها باعت 1,000 دراجة فقط منذ تأسيسها في عام 2007.
يقول السيد كوزاك: "إذا تمكن أحد من صنع دراجة خشبية بأقل من 1,000 يورو (914 جنيه استرليني)، فقد تزداد المبيعات".
ولم يتمكن كوزاك سوى من بيع 10 دراجات فقط منذ بدايته عمل شركته في عام 2015.
ورغم ذلك، فإن كونور يدير شركته بدوام كامل، حيث باع حتى الآن ما يقرب من 65 دراجة. أما شركة "باو للدراجات" فقد باعت ما يقرب من 600 دراجة منذ تأسيسها في عام 2012.
ويلخص كوزاك ما يؤمن به العديد من العاملين في مجال صناعة الدراجات الخشبية، بالقول: "إنها ليست تجارة عادية، بل تجارة بطيئة بالفعل". لكنه رغم ذلك يضيف: "لقد زرعنا البذرة، وننتظر الآن نمو الشجرة. وأعتقد أنها ستنمو في نهاية المطاف".
يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على صفحة BBC Entrepreneurship.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق