لماذا لم يأمر بوتين بإسقاط الصواريخ الأميركية فوق سوريا؟ |
ففي مقابل إدانة الولايات المتحدة للأسد لاستخدامه الغاز ضد مواطنيه وتحميلها المسؤولية جزئياً لروسيا، وذلك بالنظر إلى تعهُّد روسيا في 2013 بتخليص سوريا من الأسلحة الكيماوية، يستمر الكرملين في نفيّ امتلاك سوريا لأي أسلحةٍ كيماوية.
وبدا أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدفاعه عن الأسد وإدانته لـ"العدوان" الأميركي، يقضي على فكرة أنَّه يمكنه بطريقةٍ ما التعاون مع إدارة ترامب من أجل إنهاء الصراع السوري خلال فترة رئاسته، حسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وأنحى مسؤولو إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اليوم الأحد 9 أبريل/نيسان 2017، باللائمة على التقاعس الروسي في تمكين حكومة الرئيس السوري بشار الأسد من شن هجوم دام بالغاز على المدنيين السوريين الأسبوع الماضي في الوقت الذي يستعد فيه وزير الخارجية ريكس تيلرسون لتفسير الهجوم الصاروخي الانتقامي الذي شنته الولايات المتحدة خلال زيارة لروسيا.
وقال تيلرسون إن سوريا تمكّنت من شن الهجوم، الذي أودى بحياة العشرات بسبب تقاعس روسيا عن تنفيذ اتفاق يعود لعام 2013 لتأمين الأسلحة الكيماوية في سوريا وتدميرها.
روسيا وإيران هما راعيتي الأسد في حملته لقتل المدنيين
وأضاف مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض إتش.آر ماكماستر إن "راعيتي" سوريا، روسيا وإيران، تمكنان الأسد من شن "حملة قتل جماعي ضد مدنييه."
لكن تيلرسون، المتوقع أن يزور موسكو يوم الأربعاء المقبل، قال لبرنامج (ذيس ويك) الذي تبثه شبكة (إيه.بي.سي) إنه "لا تغيير" في الموقف العسكري الأمريكي تجاه سوريا.
وأضاف "أعتقد أن الفشل الحقيقي هو فشل روسيا في الوفاء بالتزاماتها بموجب اتفاقات للأسلحة الكيماوية دخلت حيز التنفيذ في 2013.
"الفشل المتعلق بالضربة الأخيرة، والهجوم الأخير المروع بالأسلحة الكيماوية هو إلى حد بعيد فشل من جانب روسيا في الوفاء بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي."
وأعلنت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، الأحد 9 أبريل/نيسان 2017، أن الرئيس دونالد ترامب، يفكر بإمكانية فرض عقوبات جديدة على روسيا وإيران.
وقالت هيلي في حديث لقناة "سي إن إن"، رداً على سؤال حول ما إذا كان الرئيس الأميركي يريد عقوبات أكثر شدة بحق روسيا إيران: "نحن سنبحث هذا، ونبحثه بالفعل".
وأكد مُحلِّلون أنَّه، رغم أنَّ بوتين ربما لن يمكن إقناعه بالتقليل من دعمه لدمشق في المدى القريب، فإنَّ التضامن مع دمشق سيتسبِّب على الأرجح في مشكلاتٍ لروسيا في المدى البعيد.
لماذا لم يسقط بوتين الصواريخ؟
ويلفت تقرير لموقع تايم أنه عندما تلقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نبأ أن صواريخ كروز أميركية ستضرب حليفه السوري في وقت مبكر من صباح الجمعة 7 أبريل/نيسان 2017، فإنه كان لديه العديد من الخيارات - العسكرية والدبلوماسية - للرد.
كان بإمكانه استخدام أنظمة الدفاع الجوي الروسية في سوريا لإسقاط الصواريخ الأميركية في السماء. وباعتباره توبيخاً للأميركيين، كان بإمكانه أيضاً إلغاء اجتماعه الأسبوع المقبل مع وزير الخارجية ريكس تيلرسون. لكنه لم يفعل ذلك.
رد الفعل الروسي كان أن تعهَّدت وزارة الدفاع الروسية بتعزيز أنظمة الدفاع الجوي السورية، وأرسلت فرقاطة إلى موقعٍ قبالة السواحل السورية، وعلَّقت اتفاقاً مع الولايات المتحدة يتعلَّق بتنسيق الأنشطة في المجال الجوي السوري.
وسمح ما يعرف باتفاقية التفاهم بين موسكو وواشنطن. منذ أن تم تنفيذها في عام 2015، للقوتين المتنافستين بتحذير بعضهم البعض من الغارات الوشيكة في سوريا، وبالتالي التأكد من أن الطائرات الأميركية والروسية لم تصطدما ببعضها البعض.
وقال ألكسندر كونوفالوف، الخبير البارز في السياسة الخارجية في موسكو، إن هذا الاتفاق كان مفيداً للطرفين، وإن قرار بوتين إلغاءه يوم الجمعة سيؤدي على الأقل إلى ضرر كبير للقوة الروسية في سوريا كما هو الحال بالنسبة للأميركيين.
من جانبه، قال ألكسندر موروزوف، المُحلِّل السياسي المستقل حسب نيويورك تايمز: "اتَّخذ بوتين خياراً، وهو التأكيد على حلفه مع الأسد. وسيقود هذا روسيا إلى مزيدٍ من العُزلة، لكنَّ بوتين سيتمسَّك بخياره".
ويرى موزوروف ومُحلِّلون آخرون أنَّ هذه السياسة تنطوي على مشكلاتٍ لعدة أسباب.
روسيا تتحمَّل المسؤولية جزئياً
أولاً، صوَّر ترامب ووزير خارجيته ريكس تيلرسون روسيا على أنَّها مسؤولةٌ جزئياً على الأقل عن المجزرة التي ارتكبتها الحكومة السورية في صفوف المدنيين.
وقال فلاديمير فرولوف، مُحلِّل الشؤون الخارجية والكاتب في مجلة "ريبابليك" الإلكترونية الروسية: "إنَّ المشكلة الرئيسية لروسيا ليست في أنَّ الولايات المتحدة قامت بضربة، بل في أنَّ نبرة خطاب ترامب وتيلرسون بخصوص سوريا والأسد أصبحت أكثر شدة".
وأضاف: "لقد قالا إنَّ روسيا مسؤولةٌ عن أعمال الأسد، وأنَّها لم تفِ بمسؤولياتها فيما يتعلَّق بنزع الأسلحة الكيماوية".
الانتصار بأي ثمن؟
ثانياً، بدا أنَّ الأسد، عبر مواصلته للهجمات المُميتة على المدنيين، يرغب في تحقيق نصرٍ عسكري بأي ثمن، جاعلاً من التصريحات الروسية بأنِّ التسوية التفاوضية هي الحل الوحيد مجرد كذبة.
وخلال الأيام الأخيرة كافحت موسكو من أجل تغطية الرئيس السوري بشار الأسد الذي وضع بوتين في وضع غير مريح للغاية بهذا الهجوم الكيماوي، حسب تقرير لصحيفة الغارديانالبريطانية.
وانخفضت أسواق العملات والأسهم الروسية يوم الجمعة بعد الغارة الأميركية، حيث تسبب العمل العسكري الأميركي فى سوريا في تقلص الآمال بإقامة علاقات أفضل بين واشنطن وموسكو حسب موقع "سي إن إن المال" (Cnn money).
ويُهدِّد هذا الوضع باستمرار حربٍ روَّج لها بوتين في بلاده على أنَّها سريعة، ومنخفضة التكاليف، وسهلة، في وقتٍ يعاني فيه الكثير من الروس اقتصادياً. وقال مُحلِّلون إنَّ أحد الأسباب الحاسمة التي ستجعل الروس يتجنّبون تصعيد أي صراعٍ مع الولايات المتحدة هي رغبتهم في المحافظة على رخص تكلفة الحرب وقِصَر مدتها.
وقال أندريه فرولوف، مُحلِّل الشؤون الدفاعية ومدير تحرير مجلة "Moscow Defence Brief" المختصة بالشؤون الدفاعية والعسكرية، إنَّه في ظل الحملة الانتخابية الرئاسية المُقرَّر لها أن تبدأ بحلول نهاية عام 2017، "لن تكون هناك حاجة لمواصلة الحرب خارج البلاد في ظل تقديم تفسيراتٍ واهية للشعب الروسي حول سبب بقاء روسيا هناك".
تحالفٌ خطير
ثالثاً، يمكن أن يُقوِّض التحالف مع الأسد أحد أهداف بوتين الرئيسية لدخول الحرب، ألا وهو محاولة استعادة مكانة روسيا ونفوذها على الساحة الدولية مرةً أخرى باعتبارها الوسيط الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الشرق الأوسط.
وقال مُحلِّلون إنِّ حماية الأسد يمكن أن ينفِّر الدول التي كانت تغازلها روسيا، مثل تركيا وإسرائيل، بصورةٍ أكبر، ناهيك عن معظم دول العالم.
وخلال الأشهر التي أعقبت نشر روسيا لجيشها في سوريا، اعتادت ماريا زاخاروفا، المتحدِّثة باسم وزارة الخارجية الروسية، قول أشياءٍ مثل "إنَّنا لا ندعم الأسد؛ ما يهمنا هو الحفاظ على الدولة السورية".
وبعد الهجوم، أصدرت الوزارة بياناً أشادت فيه بسوريا وبـ"معركتها الشرسة" ضد "الإرهاب الدولي".
وقال أليكسي ماكاركين، نائب رئيس مركز التكنولوجيا السياسية، وهو مركز أبحاث مقرُّه موسكو: "كلما طال أمد دعم روسيا للأسد، كلما زاد اعتمادها عليه".
وأضاف: "في البداية، كان هناك بعض الحديث حول استبداله، حتى ولو بصورةٍ تدريجية"، لكنَّ هذا الحديث اختفى الآن.
وكان السبب الظاهري لنشر بوتين جيشه في سوريا في سبتمبر/أيلول 2015 هو محاربة الإرهاب، غير أنَّ صوت المنطق السليم يرفض قبول هذا التبرير. إذ ثبُت أنَّ الأهداف الأخرى، لاسيَّما دعم الأسد، هي أهدافٌ أكثر أهمية بالنسبة لروسيا.
ويبدو أنَّ بوتين يريد إحياء مكانة موسكو السوفييتية القديمة باعتبارها قوةً عسكرية عالمية. إذ مثَّلت سوريا ساحة عرض للأسلحة الروسية الجديدة، وأنشأت موسكو هناك قاعدتين عسكريتين، ونادراً ما تلجأ روسيا لإقامة قواعد عسكرية خارج حدودها.
وقال ماكاركين: "ستواصل روسيا دعم الأسد لأنَّه الضامِن الوحيد للتواجد العسكري الروسي في سوريا، ومن ثَمَّ التواجد العسكري الروسي في الشرق الأوسط بصفةٍ عامة".
كما أن بوتين مُصمِّم على إثبات أنَّ روسيا ستتمسَّك بأصدقائها وتعارض سياسة "تغيير الأنظمة" المعتمدة على التدخُّل الخارجي.
العقوبات
وأخيراً، قدَّمت سوريا، بطبيعة الحال، فرصةً لروسيا للخروج من عُزلتها التي نتجت عن العقوبات التي فرضها الغرب عليها بسبب ضمَّها شبه جزيرة القرم عام 2014 وزعزعتها الاستقرار في أوكرانيا.
واعتقد الكرملين أنَّ إقامة تحالفٍ مع الغرب بشأن سوريا سيجعل فكرة الإبقاء على العقوبات الاقتصادية غير منطقية.
وقد أثرت العقوبات، إلى جانب انهيار أسعار النفط، على روسيا بشدة. وانكمش الاقتصاد لمدة سبعة أرباع متتالية قبل أن يعود أخيرا إلى النمو في الربع الأخير من عام 2016.
لكن رغم بدء تعافي الاقتصاد، مدعوماً بانتعاش أسعار النفط، فإن الروس العاديين لا يرون الفوائد بعد.
وارتفع عدد الروس الذين يعيشون في فقر إلى ما يقرب من 20 مليوناً في عام 2016، وهو أعلى مستوى منذ 9 سنوات، وفقاً للبيانات الرسمية، حسب موقع "سي إن إن المال".
وبدا أنَّ ترامب خلال حملته يدافع عن فكرة إزالة العقوبات، بل عن التشكيك في الحاجة إليها، مُشيراً إلى أنَّ القرم ربما كانت تابعةً لروسيا فعلاً، وأشاد مِراراً ببوتين باعتباره قائداً قوياً. وأيَّد فكرة مواجهة الدولتين معاً لتنظيم (داعش).
وفي حين أثار ذلك الشكوك المُتعلِّقة بتواطؤ ترامب مع روسيا في الولايات المتحدة، كان هذا أمراً مُرحَّباً به في روسيا باعتباره بدايةً جديدة للعلاقات بين البلدين.
لكن بدأت هذه الأوهام في التلاشي مع تغيير ترامب وحلفائه هذه المواقف واحداً تلو الآخر، وأجهز الهجوم الأخير على سوريا إلى حدٍ كبيرٍ عليها.
وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي، أمس الأحد 9 أبريل/نيسان 2017، في مقابلتها مع سي إن إن: "لقد رأيت هذه المأساة الرهيبة وأثرها على الناس الأبرياء، والكثير منهم من الأطفال، وكان أول رد فعل من الروس ليس كم هذا رهيب، وليس كيف يفعلون ذلك، ولَم يكن كيف حدث ذلك ولكن كان رد فعل روس أن الأسد لم يفعل".
وأضافت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة أن مثل هذا الرد من موسكو دفع "للتحقيق حول دورها" بالأمر، حسبما ذكر موقع روسيا اليوم.
الانتقام الروسي
كتب رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف على صفحته في موقع فيسبوك: "ما تبقَّى من ضبابية ما قبل الانتخابات (أي أفكار ترامب الإيجابية تجاه روسيا) قد تلاشت. فبدلاً من السردية التي رُدِّدت كثيراً بشأن المعركة المشتركة ضد عدونا المشترك، داعش، أظهرت إدارة ترامب أنَّها ستقاتل الحكومة الشرعية السورية بشراسة".
وعلقت صحيفة "نيويورك تايمز" قائلة إن يقوم ميدفيديف وليس بوتين بالتصريح بشأن الهجوم الأميركي علانيةً ربما يكون إشارةً إلى أنَّ غضب روسيا جاء معتدلاً هذه المرة.
وقال مُحلِّلون إنَّ أولى النتائج على الأرض هي أنَّ النظام السوري والجيش الروسي سيشعران أنَّهما أكثر حريةً مما مضى في مهاجمة القوات التي يعتقدان أنَّها حليفة للغرب، والتي اتهماها بكونها قواتٍ إرهابية.
وأضاف فرولوف، مُحلِّل الشؤون الدفاعية: "بإمكان روسيا الآن أن تقمع وتدمِّر قوات المعارضة في سوريا دون اعتبارٍ للولايات المتحدة وموقفها"، حسب نيويورك تايمز.
ويبدو أن الأسد قد يكون أبرز المستفيدين من هذه الأزمة، فقد قال مركز للقيادة المشتركة يضم روسيا وإيران وتحالفاً لجماعات مسلحة يدعم الرئيس السوري بشار الأسد إن الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة على قاعدة جوية سورية يوم الجمعة تجاوز "الخطوط الحمراء"، وأنه سيرد على أي عدوان جديد ويزيد من دعمه لسوريا.
وجاء في البيان الذي نشره مركز القيادة المشتركة على موقع الإعلام الحربي التابع له "من الآن وصاعداً سنرد بقوة على أي عدوان وأي تجاوز للخطوط الحمراء من قبل أي كان وأميركا تعلم قدراتنا على الرد جيداً".
المصدر/ هافينغتون بوست
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق