قصة جرجة الروماني
خالد بن الوليد رضي الله عنه في موقعة اليرموك
كانت موقعة اليرموك- كما نعرف جميعاً- بقيادة خالد بن الوليد، وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما، وعن الصحابة أجمعين.
الجيوش مصطفة على الناحيتن، جيش الرومان، وأمامه جيش المسلمين، تقول الرواية:
وخرج (جرجه) وهو أحد الأمراء الرومان الكبار من الصف- أي من صف المشركين في ميدان المعركة- واستدعى خالد بن الوليد، وكان من الممكن أن يقول سيدنا خالد، وهو قائد الجيش إن هذه مؤامرة أو مكيدة تدبر له، ويراد منها قتله، ولكنه رضي الله عنه ما كان يتردد على الإطلاق إذا طلب أحد لقاءه أو منازلته في ميدان الحرب، فجاء اليه حتى اختلفت أعناق فرسيهما، وقد أمن كل منهما صاحبه،
فقال جرجه: يا خالد، أخبرني فاصدقنى، ولا تكذبني، فان الحر لا يكذب، ولا تخادعني، فان الكريم لا يخادع المسترسل بالله، هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء، فأعطاكه فلا تسله على أحد إلا هزمتهم؟
سؤال في منتهى الغرابة يقوله هذا القائد الروماني في تعجب شديد، وانتصارات سيدنا خالد رضي الله عنه بالفعل كثيرة جدا، سواء في بلاد فارس، أو بلاد الروم، وبأعداد، وعُدد قليلة على أعداد من المشركين، وعُدد هائلة وضخمة.
هذا القائد الروماني في استغرابه الشديد يستحلف خالدا أن يصدقه القول، قال خالد: لا.
قال: فبم سميت سيف الله؟
ورد عليه سيدنا خالد ردا في منتهى البراعة، وفي منتهى الحكمة، ومنتهى الفقه لقضية الدعوة فقد أحس أن جرجه الروماني هذا يتكلم بلسان غريب عن قومه، وفي قلبه نوع من الميل إلى الإسلام، في قلبه نوع من الشك فيما عليه الرومان من دين، نوع من التفاؤل، نوع من الطموح، والجيوش مصطفة على الناحيتين، جيش الرومان وأمامه جيش المسلمين، فبماذا رد سيدنا خالد رضي الله عنه؟
قال رضي الله عنه: إن الله بعث فينا نبيه، فدعانا، فنفرنا منه، ونأينا عنه جميعا، ثم إن بعضنا صدقه، وتابعه، وبعضنا كذبه، وباعده، فكنت فيمن كذبه، وباعده.
لماذا يقول سيدنا خالد هذا الكلام؟ ويذكر أنه كان ممن كذب وباعد رسول الله في بداية الأمر؟
إنه يريد أن يقول لهذا القائد إني كنت مثلك أحارب المسلمين، وأقاتلهم، ولكن هداني الله إلى الإسلام، وربما تكون أنت كذلك، ويكمل خالد رضي الله عنه يقول: ثم إن الله أخذ بقلوبنا، ونواصينا، فهدانا به، وبايعناه، فقال لي صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، ودعا لي بالنصر، فسميت سيف الله، بذلك فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
فقال جرجه: يا خالد إلام تدعون؟
قال: إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله عز وجل.
قال: فمن لم يجبكم؟
قال: فالجزية ونمنعهم.
قال: فإن لم يعطها؟
قال: نؤذنه بالحرب، ثم نقاتله.
قال: فما منزلة من يجيبكم، ويدخل في هذا الأمر اليوم؟
قال: منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا، ووضيعنا، وأولنا، وآخرنا.
قال جرجه: فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم من الأجر، والذخر؟
قال: نعم وأفضل.
قال: وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟
فقال خالد: إنا قبلنا هذا الأمر عنوة، وبايعنا نبينا، وهو حي بين أظهرنا، تأتيه أخبار السماء، ويخبرنا بالكتاب، ويرينا الآيات، وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب، والحجج، فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة، ونية كان أفضل منا.
فقال جرجه: بالله، لقد صدقتني، ولم تخادعني، ولم تآلفني؟
قال: تالله لقد صدقتك، وإن الله وليّ ما سألت عنه.
فعند ذلك قلب جرجه الترس- فهو حتى هذه اللحظة على استعداد للقتال ولكنه بعد أن سمع هذا الكلام وبعد أن دعاه خالد إلى الإسلام- قلب الترس ومال مع خالد وقال: علمنى الإسلام، فمال به خالد إلى فسطاطه، فشن عليه قربة من ماء، ثم صلى به ركعتين وحملت الروم مع انقلابه مع خالد، فركب خالد وجرجه معه، فضرب فيهم خالد، وجرجه من لدن ارتفاع النهار إلى جنوح الشمس للغروب، وصلى المسلمون صلاة الظهر، وصلاة العصر إيماء وأصيب جرجه رحمه الله.
وسبحان الله استشهد رحمه الله، ولم يصل إلا الركعتين اللتين صلاهما عندما أسلم.
هذه هي الدعوة بمفهوم الصحابة رضي الله عنهم، فليس هناك على الإطلاق ما يمنع من الدعوة، إن إيمان الأفراد أغلى عند الصحابة من كنوز الدنيا كلها، والعدو الكافر الذي يبغضونه ينقلب أحب الناس إلى قلوبهم، إذا آمن بالله تعالى، فهم رضي الله عنهم يحبون الخير لأهل الأرض جميعا، ويعرفون مهمتهم بوضوح تام، وهي تعبيد الناس لرب العالمين، ووظيفتهم استنقاذ الناس من نار الجحيم.
المصدر/ موقع قصة الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق