فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام للسعدي -الجزء الأول
أخبار عاجلة
تحميل ...

الأحد، 17 يوليو 2016

الرئيسية فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام للسعدي -الجزء الأول

فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام للسعدي -الجزء الأول

تعبير الرؤيا
سورة يوسف

أصول علم تعبير الرؤيا 

الفرق بين الرؤيا الصالحة وأضغاث الأحلام

                                 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله , وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم . أما بعد , فهذه فوائد مستنبطة من قصة يوسف صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء والمرسلين , فإن الله تعالى قصها علينا مبسوطة , وقال في آخرها : { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب } [ سورة يوسف : الآية 111 ] والعبرة ما يعتبر به ويعبر منه إلى معان وأحكام نافعة وتوجيهات إلى الخيرات وتحذير من الهلكات ; وقصص الأنبياء كلها كذلك , لكن هذه القصة خصها الله بقوله : { لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين } [ سورة يوسف : الآية 7 ]

 ففيها آيات وعبر منوعة لكل من يسأل ويريد الهدى والرشاد , لما فيها من التنقلات من حال إلى حال , ومن محنة إلى محنة , ومن محنة إلى منحة , ومنه ومن ذلة ورق إلى عز وملك , ومن فرقة وشتات إلى اجتماع وإدراك غايات , ومن حزن وترح إلى سرور وفرح , ومن رخاء إلى جدب , ومن جدب إلى رخاء , ومن ضيق إلى سعة . إلى غير ذلك مما اشتملت عليه هذه القصة العظيمة , فتبارك من قصها ووضحها وبينها . 

فمن فوائد هذه السورة أن فيها أصولاً لعلم تعبير الرؤيا , فإن علم تعبير  الرؤيا علم عظيم مهم , مبناه على حسن الفهم , والعبور من الألفاظ والمحسوسات والمعنويات أو ما يناسبها بحسب حال الرائي وبحسب الوقت والحال المتعلقة بالرؤيا , وقد أثنى الله على يوسف عليه الصلاة والسلام بعلمه بتأويل الأحاديث , تأويل أحاديث الأحكام الشرعية والأحاديث المتعلقة بتعبير الرؤيا , والفرق بين الأحلام التي هي أضغاث أحلام لا تأويل لها مثل ما يراه من يفكر ويطيل تأمله لبعض الأمور , فإنه كثيراً ما يرى في منامه من جنس ما يفكر به في يقظته , فهذا النوع الغالب عليه إنه أضغاث أحلام لا تعبير له ; وكذلك نوع آخر ما يلقيه الشيطان على روح النائم من المرائي الكاذبة والمعاني المتخبطة فهذه أيضا لا تعبير لها , ولا ينبغي للعاقل أن يشغل بها فكره , بل ينبغي له أن يلهى عنها . 
وأما الرؤيا الصحيحة فهي إلهامات يلهمها الله للروح عند تجردها عن البدن وقت النوم , أو أمثال مضروبة يضربها الملك للإنسان ليفهم بها ما يناسبها . وقد يرى الشيء على حقيقته ويكون تعبيره هو ما رآه في منامه , فيوسف صلى الله عليه وسلم أعطاه الله من العلم ما يميز به بين المرائي الصحيحة والباطلة , والحق والباطل منها , وهذه القصة فيها الدلالة على تعبير الرؤيا من وجوه : 

أحدها رؤيا يوسف التي قصها على أبيه يعقوب صلى الله عليه وسلم : { إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين } [ سورة يوسف : الآية 4 ] ففسرها يعقوب صلى الله عليه وسلم بغاياتها وما تؤول إليه , وبوسائلها التي تتقدم عليها , ففسر الشمس والقمر بأبي يوسف وأمه , والكواكب الأحد عشر بإخوته , وأن الحال سيكون مآلها أن الجميع ليسجدون ليوسف ويخضعون له . ولهذا لما حصل الاجتماع ودخل أبوه وأمه وإخوته مصر , ورفع أبويه على العرش خر الجميع له سجدا وقال يوسف متذكرا ذلك التعبير والتفسير : { يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا } [ سورة يوسف : الآية 100 ]  وهذا أمر عظيم تصل بيوسف الحال إلى أن يكون معظما تعظيما بليغا عند أبويه وإخوته , وكذلك عند الناس . وهذه الغاية تستدعي وسائل ومقدمات لا تحصل إلا بها , وهو العلم الكثير العظيم والعمل الصالح والإخلاص والاجتباء من الله والقيام بحق الله وحقوق الخلق . فلهذا قال في ذكر السبب الموصل لهذه الغاية الجليلة : { وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم } [ سورة يوسف : الآية 6 ] يعني لا بد أن يتم الله عليك نعمته بتعليم العلوم النافعة والأعمال الصالحة والاجتباء من الله , وحصول الأخلاق الجميلة والمقامات الجليلة , فتبشره بحصول هذه الأمور , ثم بالوصول إلى الرفعة في الدنيا والآخرة . 

وفي ضمن هذا التعبير من يعقوب ليوسف بشارة له وتسهيل لما سيناله من المشقات والكروب مع إخوته وفي السجن ; فإن من علم أن المكاره والمشقات تفضي إلى الخير والراحات تسلى وهانت عليه مشقتها وسهلت عليه وطأتها , وحصل بذلك من اللطف والروح بشيء عظيم . وهذا من جملة اللطف الذي أشار إليه يوسف في قوله : { إن ربي لطيف لما يشاء } [ سورة يوسف : الآية 100 ] وهذا من مقتضى حكمة الله أن المراتب العاليات لا تنال إلا بالوسائل الجليلة , ولهذا قال إن ربك عليم حكيم . 

ومن فوائد هذا التعبير لرؤيا يوسف بشارة عظيمة ليعقوب وأم يوسف وإخوته بحصول الرفعة والصلاح والخير , فيعقوب صلى الله عليه وسلم من أكابر الأنبياء وأفاضل الأصفياء , وأمه لها من الخير والصلاح والرفعة في الدنيا والآخرة حيث شبهت بالشمس أو بالقمر , على اختلاف القولين , وإخوة يوسف وإن كان قد جرى منهم في حق أبيهم وأخيهم من الأذية والعقوق والقطيعة ما جرى  ولكن أباهم وأخاهم عفيا عنهم واستغفر الله لهم والله تعالى أرحم الراحمين . فالشمس والقمر والنجوم تضمنت النور والارتفاع , ولكنها متفاوتة في نورها بحسب التفاوت بين الأبوين وبين الإخوة , فالحاصل أن هذه الرؤيا تضمنت ما حصل ليوسف صلى الله عليه وسلم من خير الدنيا والآخرة والمقامات العظيمة والوسائل والمنن التي أوردتها هذه الأمور وما حصل لأبويه وإخوته من مشاركته في خير الدنيا والآخرة , والله تعالى أعلم . عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي.

من سلسلة فوائد مستنبطة من قصة يوسف عليه السلام للسعدي رحمه الله, وسوف نتناولها في حلقات يوميه إن شاء الله .تعلموها وانشروها واحتسبوا الأجر .

لا تنسوني من صالح دعائكم .

هل أعجبك الموضوع ؟

نبذة عن الكاتب

م و كاتب مقالات الرأي في الصحف والمواقع الإلكترونية, محب للبحث والقراءة في علوم الاقتصاد والمحاسبة والادارة والتنمية البشرية وربط العلوم ببعضها,وأهدف الى بناء أقوي موقع حر للكتاب المستقلين .ويسرني ويشرفني انضمام جميع فئات الكتاب لتقديم محتوي قيم وتحقيق اهداف الموقع واهدافهم


يمكنك متابعتي على :


هناك تعليقان (2):

  1. جزاكم الله خيرا وجزي الله الشيخ عبدالرحمن خيرا ورحمه الله رحمة واسعة ...واتمني ان تكتمل السلسلة كما اشرتم فسورة يوسف من اكثر السور التي فيها تاويلات كثيرة واختﻻف بين المفسرين وتحتاج الي توضيح بسيط للجميع.

    ردحذف
  2. وجزاكم مثله أخي الكريم وشكراً لمرورك الكريم, وإن شاء الله سوف تستمر السلسلة حتى انتهائها ان قدر لنا البقاء.

    ردحذف


جميع الحقوق محفوضة لمدونة كاتب مستقل2015/2016

تصميم : تدوين باحتراف